الصراع داخل تنظيم القاعدة أصبح مكشوفا

20 كانون الأول 2020

لا يعتبر الصراع داخل تنظيم القاعدة حدثا جديدا، ولكن التعبير العلني عن الخلاف الذي طال أمده يُعتبر هو الأمر الجديد هذه المرّة، حيث أصبح مكشوفا وخرج إلى الملأ حديثاً وذلك في أعقاب الأحداث الأخيرة التي غيبت عدد كبير من القادة.
ويتعلّق هذا الصراع باستراتيجيتين متعارضتين في كيفية تعامل القادة المؤسسين مع عناصر التنظيم، والتوجّه المختلف من القيادات الشبابية والتي تدعم عدم استخدام العنف مع الأعضاء.

ومن الواضح أن الخلاف ينطوي على صراع أعمق حول القواعد التي تحكم عمل التنظيم، فضلا عن طبيعة العلاقة بين القادة المؤسسين والقيادات الشبابية في التنظيم وتعريف دور كل منهما في صنع القرار بأمور التنظيم الداخلية والخارجية.

وغالبا ما تقود القيادات الشبابية الأنشطة العسكرية وتتعامل مع جنود التنظيم على الأرض بأسلوب متحضر ومختلف، غير أنّ الحرس القديم يرى في ذلك خروجا عن نمط الإدارة الّذي اعتاد عليه وتهديدا لتماسك التنظيم. ولقد تكبّد تنظيم القاعدة خسائر في الأنفس خلال مواجهاته مع العديد من أعداء التنظيم، وإضافة إلى الاشتباكات الداخلية والتي أسفرت عن مقتل العديد من القيادات والمجاهدين، وأضعفت هذه الأحداث قدرات التنظيم وأغلقت أمامه بعض أبواب التمويل.

ووجّه تصاعد المواجهات الأمنية واعتقال ومقتل العديد من القادة ضربة قوية للتنظيم، مما أسفر عن وضع غير مستقرّ، وبدأ التنظيم بوضع قيادات جديدة للتكيّف مع التغييرات الحاصلة على الأرض بسبب زيادة المواجهات بين أعضائه وقوات الأمن في مختلف الدول.

تم ترقية العديد من قادته الشباب لقيادة الأنشطة على الأرض، ولذا استحوذ الشباب على نسبة كبيرة من المواقع القيادية على المستوى الحركي، واعتمدت القيادات الجديدة على نهج مختلف تماماً عن القيادة القديمة.

وفي حين أعجب العديد من أعضاء التنظيم بهذا النهج الجديد، اعتقد الجيل المؤسس من القيادات أن نهج القيادات الشبابية يعتبر تحدى لتوجيهاتهم.

وقد أكدت لنا مصادرنا الخاصة أن القاعدة تمرّ بنوبات وكبوات في العشر السنوات الأخيرة قد أثّرت على الحالة النفسية للمجاهدين في جبهات القتال. ويصر القادة المؤسسين على معاملة مجاهدي التنظيم بالشدة والصرامة مرتكزين علي مبدأ السمع والطاعة الذي يغرسونه في تعاليم التنظيم وأفراده بحيث يعتبر أي اعتراض أو حتي تساؤل في أي أمر من أمور التنظيم من المحرمات التي يجب ألا يفكر فيها المجاهد مهما كانت حالته الصحية أو النفسية.

ويعطي هذا المبدأ السلطة المطلقة للقادة في الأمر والنهي، ويستثنى من ذلك الشيخ أسامة رحمة الله عليه من المقارنة الذي كان رمزا دينيا للتنظيم مختصا بالنواحي الدعوية والإصدارات السياسية أمام العالم. أما إدارة التنظيم وعلاقاته بـتسيير الأمور مع المجاهدين فكان المسؤول والمحرك هو الشيخ أيمن الظواهري رحمه الله في الدنيا والآخرة، وهو معروف بصرامته في معاملة القادة والمجاهدين داخلياً، وذُكر لي في جلسة مع شيخ عايش الحدث الذي فيه أمر الشيخ الظواهري بإعدام صبيًا لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره أمام والده المجاهد عندما اشتبه أنه قدم معلومات للمخابرات المصرية، والذي يحزنني في هذه القصة وفي نفس الوقت يؤكد ما ذكرته سابقاً، أن الشيخ الظواهري لم يراع حداثة سن الصبي والظروف التي أحاطت بهذا الشاب. بينما يعلم الجميع حيل الأجهزة الأمنية مع أي من المجاهدين الذين يقعون بأيديهم، فكيف باستطاعة صبي صغير تحمل مثل تلك المعاملات الخبيثة وهنا نرى الاختلاف في توجهات القادة المؤسسين والقادة الشباب الحاليين.

وللأسف يسير القادة من جيل المؤسسين على نفس القدر من الشدة والصرامة دون الالتفات إلي التغيـير في العقليات واتساع دائرة المعرفة لدي المجاهدين وهم يشاهدون الكثير من الأحداث التي يتم الحكم عليها رغم القصور في إثبات الحقيقة.

والآن تعلوا الأصوات، منها المعترض على هذه الأحكام ومنها من شعر بالخوف من أن تطاله هذه الاتهامات ويفقد حياته بعيداً عن ميادين الجهاد والتي كرس حياته من أجلها ومن أجل الموت في سبيل الله، بل أن يموت بوصمة عار الخيانة والجاسوسية.

يريد الجيل الجديد الأمان والعدالة حتي يتفرغ لجهاده دون خوف من القيادة التي يجب أن تكون هي مصدر حمايته، ولا تكون الخنجر الذي يطعنه في الظلام. وسوف تضعف القاعدة وتتفكك أن لم تتنبه القيادات إلى الخطر المحدق بالكيان التنظيمي وتعمل على تعديل السلوك بدلاً من إلقاء البيانات التي تهدد وتتوعد.

ومن خلال معاملاتي مع عناصر داخل التنظيم فأنا أوكد أن مازالت هناك فرصة حقيقية لتصحيح المسار إذا ابتعد كل طرف عن التمسك برأيه ونظرته التي لا تتحمل أن تكون خاطئة، ولنا في السيرة النبوية الشريفة عبرة، فعندما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر الخندق استحسن النبي صلى الله عليه وسلم فكرته ولم يتشبث برأيه وأمر بتنفيذها فوراً فكانت سببا للنصر.

شارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *