جيش الملاحم الإلكتروني ودعشنة القاعدة

23 أيار 2022

 لاحظ الخبراء في السنوات الماضية بروز منصات إعلامية مؤيدة للقاعدة أو تنظيم داعش مهمتها إعادة نشر وبث ما يصدر عن المعسكر الذي تدعمه تلك المنصات. لكن يبدو أن الإصدارات الأخيرة لجيش الملاحم الإلكتروني أثارت تحفظ الداعمين للقاعدة والمراقبين على حد سواء، إذ بدت مجلة “ذئاب منهاتن” وكأنها تنشر مواد دعائية لتنظيم داعش، ربما بغية “دعشنة” القاعدة عبر هذه المنصة الإعلامية و”أنصاف” المنصات الجهادية الأخرى.
أنباء جاسم بدأت تحقيقا استقصائياً حول أنشطة جيش الملاحم الإلكتروني بعد أن تلقت عدة رسائل تفيد بأن مجلة ذئاب منهاتن بدت وكأنها تعيد نشر مواد داعش الدعائية بهدف دعشنة الموالين للقاعدة. وخصوصاً بعد “إعتزال” المشرف على الإصدار المدعو وريث القسام. فهل يمثل هذا التصرف المسمار الأخير في نعش هذا الإصدار المشبوه؟ ام انه مجرد حيلة للظهور بكنية أخرى بعد فضح اجندته المشبوهة في إصداره الأخير عن أوكرانيا والأيادي الخفية التي تقف ورائه؟

التظاهر بأنه وريث “إنسباير”
تظهر مجلة ذئاب منهاتن وكأنها تتبع طريقة وأسلوب مجلة “إنسباير” التي كانت تصدر عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكنها في الحقيقة أبعد ما تكون عن “إنسباير”. فقد أورد مصدر مرتبط بألانشطة الإعلامية لتنظيم القاعدة عدة أمثلة تدعم الشكوك بشأن تبعية جيش الملاحم الإلكتروني الذي ينشر ذئاب منهاتن، لتنظيم داعش منها أن: إصدارات جيش الملاحم الإلكتروني لا تنشر بتصميم محدد ومعروف دائماً وتنشر المواد من دون أي مراعاة لقواعد اللغة العربية ولا تشبه الإصدارت من الناحية الشكلية إصدارات “إنسباير”. ويفتقر المحتوى لأبسط ركائز التحرير المنطقية، ما يجعل قراءة المواد أمراً صعباً لدرجة أنك بحاجة لقراءة المحتوى عدة مرات عسى أن تفهم قصد الكاتب وما يريد إيصاله.
حقا، هذا التراجع الملحوظ في جودة وشكل المحتوى مقارنة بـ “إنسباير” يثير تساؤلات حول الجهة أو الجهات التي تتبنى جيش الملاحم الإلكتروني. فهي على أحسن تقدير مجموعة من الهواة، أو ربما تكون هذه الأخطاء مقصودة بغية إظهار أن إصدارت داعش أكثر رصانة، وإيصال رسالة مفادها إن تنظيم القاعدة لم يعد سوى مجموعة مهمشة.

البحث عن الشهرة
وأبدى خبير تحدث لأنباء جاسم استغرابا من محاولات جيش الملاحم الإلكتروني “إقحام نفسه بأي طريقة كانت” لدرجة أن يجري شخصا يسمى أبو البيان المقدسي مقابلة مع وسيلة إعلام غربية ويدعي أنه محرر مجلة ذئاب منهاتن.
وما يزيد الطين بلة، أن أبو البيان المقدسي يدعي أيضا أن المجلة تسير على خطى ومنهاج أنور العولقي، من دون أن يعرض أي دليل يدعم ما ينطق به.
جدير بالذكر، أن إصدارات جيش الملاحم الإلكتروني لا تتطرق إلى الفقه أو القضايا العقائدية، بل تقدم محتوى يشبه إلى حد كبير ما ينشره تنظيم داعش، يتناول بشكل سطحي وربما زائف التأصيل الشرعي للجهاد الذي اتى به العولقي.
الراية السوداء في هذه الصورة قد تبدو لغير المختصين بانها تعود لتنظيم داعش.

دعوة أوكرانيا تفضح أجندة جيش الملاحم الإلكتروني
ويسعى تحقيقنا هذا إلى رفع الغطاء عن الوجه الحقيقي لجيش الملاحم الإلكتروني، لا سيما بعد دعوته في العدد الثالث من مجلة ذئاب منهاتن، الشباب المسلم إلى التوجه إلى أوكرانيا للقتال هناك ضد الروس، لتأتي بعدها دعوة المتحدث باسم تنظيم داعش أنصاره من الشباب إلى التوجه هناك.

هذه الدعوة زادت من الشكوك بشأن تبعية جيش الملاحم الإلكتروني، وعززت النظرية بأن المنصة تدفع لفرض أجندة داعش على مؤيدي القاعدة بشكل مبطن.
دعوة الشباب المسلمين غير المدربين على التوجه إلى ميدان المعركة في أوكرانيا يعارض بشكل مباشر وقاطع توصيات شيوخ الجهاد وعلماء الامة، من بينهم على سبيل المثال الشيخ أبو محمد المقدسي الذي حذر بأن كثيرا من هؤلاء الشباب “المراهقين يظنون أن الحرب نزهة أو لعبة ببجي” وعندما يرون الحقيقة “ينهارون ويفرون”.

الإصدارات غير الرسمية قد تكون مصيدة للشباب
وخلال تحقيق أنباء جاسم في هذا الملف، تطرق مصدر إلى منشور جديد مثير للشبهة بعنوان “حراس التوحيد”. لا شك أن هذا المنشور جاء بتوجيه من حكومة ما، كونه ظهر بالتزامن مع بدء الصراع في أوكرانيا. وأشار المصدر إلى أن المنشور ظهر بشكل حصري باللغة الإنجليزية في محاولة للإيقاع بالمسلمين الشباب الذين ينطقون بالإنجليزية في الغرب.
وأعاد المنشور الذي افتقد للاحترافية نشر مواد متاحة للجميع على الإنترنت، وصاغها تحت عنوان “تعليمات الجهادي”، ما يزيد الشكوك حول غايات نشر محتوى كهذا سوى أنها تهدف لاستقطاب الشباب المسلم وكشف تواجدهم على المواقع الالكترونية.
وأضاف المصدر المقرب من الحركة الجهادية “لو فرضنا أن هؤلاء من مؤيدي القاعدة بالفعل، لكان من الأجدر بهم التركيز على إعادة نشر الإصدارات الرسمية” للتنظيم.
ولفت المصدر ذاته إلى أن “الإصدارات الرسمية عادة ما تخضع للمسح للتأكد من خلوها من الفيروسات، وتنشر عبر وسائل محددة وبطريقة محكمة، لكن هناك تقارير تشير إلى أن المنشورات التي تصدرها مجموعات أو أفراد كجيش الملاحم الإلكتروني وحراس التوحيد قد تستخدم أحيانا ككمائن لاصطياد الشباب من غير الواعين الذين يهمون بتحميلها على أجهزتهم”.
ويتسأل المصدر “أي غرض تخدم هذه الإصدارات سوى تشتيت إعلام القاعدة بشكل أكبر وتعريضه للاختراق؟”.

من يتحدث بإسم القاعدة؟
ورأى باحث كان يرتبط في السابق بجماعة إسلامية أن دعوة جيش الملاحم الإلكتروني بشأن أوكرانيا لم تكن مفاجأة، “إذ استغلت صمت قنوات القاعدة الرسمية بشأن الأحداث في أوكرانيا”. وأضاف أنه ليس لتنظيم القاعدة في الوقت الراهن من يتحدث باسمه، “فالشيخ أبو محمد المقدسي لا ينتمي للتنظيم رسميا، رغم أنه بات المنظر الوحيد المؤثر بعد أن قرر أبو قتادة الفلسطيني الوقوف مع هيئة تحرير الشام”.
وتقر أنباء جاسم بأن موقف أبو قتادة من هيئة تحرير الشام ليس مسألة (مع أو ضد) بهذه البساطة، إلا أن الشيخ ظل صامتا حول هذه القضية المهمة. بينما لم يصدر عن تلميذ أبو قتادة، المفكر أبو محمود الفلسطيني الذي عادة ما ينتقد القاعدة، أي موقف صريح بشأن أوكرانيا، واكتفى بالتعبير عن أمله أن تمنى روسيا بالخسارة.
ومع ذلك، تبقى الخلافات قائمة، إذ انتقد الشيخ أبو محمود موقف الشيخ المقدسي بشأن هيئة تحرير الشام. يذكر أن المقدسي أبدى في منشور على الإنترنت رأيه بشأن عدة قضايا عامة، لكنه تجنب التطرق إلى تطور مثير يتعلق بتسريب أحد عناصر القاعدة رسالة بعثها فرع التنظيم في المغرب الإسلامي إلى دولة أجنبية يطلب فيها الدعم. ورفض المقدسي فرصة التعليق على الرسالة عندما طرحنا عليه الحوار، واختار حظر كاتب هذا المقال بدلا من الرد.
ويبدو أن تنظيم القاعدة يمر في الفترة الراهنة بأزمة في التواصل مع الكوادر في ظل غياب ظهور إعلامي متكرر لأبرز قادته يحتوي على توجيهات عملية بخلاف التنظير المعتاد.
ورغم أن الشيخ أيمن الظواهري تطرق إلى قضايا مهمة تتعلق بالقيود غير المنصفة على الحجاب في الهند وقضية كشمير، فإنه أضاع فرصة ثمينة لشرح كيف سيواجه تنظيم القاعدة هذه التحديات في ظل محاولات تنظيم داعش الهيمنة مرة أخرى على الساحة الجهادية.

استغلال الأبواق الجهادية حيلة قديمة
فإذاً، أي أجندة يخدم جيش الملاحم الإلكتروني عندما يدعو الشباب للتوجه إلى أوكرانيا في إصداره الأخير؟ بينما يحذر تنظيم القاعدة وأبرز قادته ومنظريه الكبار عناصره من الوقوع ضحايا في كمين الصراع في أوكرانيا. هل تخدم هذه المنصة أجندة داعش؟ أم جهات أخرى؟
الطريف في الأمر أن جيش الملاحم الإلكتروني دعا في العدد الثالث الشباب المسلم إلى نشر المعلومات المضللة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، في وقت بات من الواضح أن روسيا والجهات الموالية لها تنشر معلومات مضللة تهدف إلى التقليل من شأن الجهاد في سوريا.
أن استخدام ما يسمى بالإصوات الجهادية للدفع بأجندات ليس بالتكتيك الجديد والتاريخ يشهد بعدة أمثلة من الروس، وقبلهم من الأمريكيين والأنظمة العربية.
وربما يستخدم تنظيم داعش هذا التكتيك وما يسمى بالأصوات المؤيدة للقاعدة اليوم لتهيئة المناصرين لنبذ فكر القاعدة وتبني عنجهية داعش وأساليبه الصبيانية التي تخدم مصالح الغرب والروس.

شارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *