قرأءة مقتضبة في نقد الشيخ أبو محمد المقدسي لتنظيم القاعدة

لماذا ينتقد الشيخ أبو محمد المقدسي موقف تنظيم القاعدة تجاه عملية طوفان الأقصى؟ هل هو بالفعل من كتب الرسالة الأخيرة التي انتقدت موقف التنظيم وإعلامه؟

سنجاوب على السؤال الأول لاحقاً، ولكن نقدر أن نجيب عن السؤال الثاني، ونقول نعم وألف نعم؛ لأن من نشر الرسالة حساباً يؤيد الشيخ والرسالة كانت واضحة وبالتحديد الفقرة التالية

“لذلك فحماسك وكلامك وبياناتك عنهم وكأنك ناطق باسمهم تُعتبر نياحة مستعارة، وتطبيلك لهم دون تحفّظ على منهجهم هو في الحقيقة خليط من الحماقة والسذاجة والسفه، سواء كنتَ وطنيا وضابطا متقاعدا كالدويري الذي صار يُحلل ويتكلم كأنه ناطق باسم المقاومة، أو جهاديا كالقاعدة التي أمست تستعير في إصداراتها إصدارات مقاتلي حماس لتتكلم مِن خلالها عن الجهاد العالمي الذي تتبرأ منه حماس المقاومة بل وتعده إرهابا! أو تُحرض مِن خلال مقاطع مقاتلي القسام على طواغيت وأنظمة تواليهم أصلا حماس! أو تعتمد عليهم وتستمد منهم وتُمجد قتلاهم وتعدهم شهداء القدس!”

مأخوذ من رسالة أبو محمد المقدسي المؤرخة 9 يناير

الكلام واضح، ولا يوجد شيء مبهم. رصد الجميع تحول في نبرة إصدارات التنظيم بعد طوفان الأقصى. لو راجعنا التاريخ بدقة وموضوعية سنرصد أن إصدارات جماعة الشباب وقاعدة اليمن بالتحديد لم تكن على المستوى المناسب من وجهة نظر القيادة العامة؛ بسبب تكرار أسطوانة “قلوبنا معكم…. عيوننا على القدس… ولو استطعنا لكنا ساعدناكم” ويمتد ذلك دائماً لتبرير معتاد أن حربهم ضد مرتزقة الإمارات أو تشكيلات “الجيش” الصومالي جزء من الجهاد ضد النظام العالمي؛ ومن ثم ضد الكيان الصهيوني ومن يقف معه.

ولكن جاء علينا البيان الأول للقيادة العامة لتصحيح المسار وإرسال رسالة للأفرع، قبل أي فئة أخرى، أن القيادة العامة تطمع في ما هو أكثر من “قلوبنا معكم” وحرض الكاتب للنفير العام. بعد ذلك، وإصدارات مكثفة من السحاب، تغير خطاب الأفرع للأقوى.

ولكن جاء ذلك بثمن، وهذا الشيء الذي اعتقد أزعج المقدسي والأخريين، وهو لأول مرة في تاريخ التنظيم يقوم إعلامه بالإشادة بحركة حماس! وهذه المرة احرصت السحاب على ذلك في محاولة لتجييش القواعد وتحميسهم على العمل النوعي وتجنب القعود بحجة أن المشاركة في هذه العملية تساعد مشروع حماس الاخونقراطي. ومن وجهة نظر البعض، تبجح إعلاميو التنظيم في هذا السلوك وصولاً لحساب من حسابتهم  أشاد بكلمة لإسماعيل هنية! وفرع آخر نعى العروري! كأن في ليلةً وضحاها تنازل التنظيم عن كافة مواقفه ومبادئه وأصبح يتصرف كالإخوان (والعنابي).

ولكن في الحقيقة هذا التحول لم يكن مفاجئاً، ويبدو أنه يتسق مع تغيرات في سياسة القيادة العامة ممكن وصفها بنوع من التجديد والعودة مجدداً لبراجماتية تنظيم الجهاد. وفي حقبة التسعينيات بالتحديد، وقبل واقع ما بعد عملية مانهاتن، الكثير من التنظيمات الجهادية كانت تبرر التعاون مع بعض الدول كضرورة والحلم بالتعاون مع “الثورة الإيرانية” على أساس أن مشروع الخميني إسلامي أيضاً، ولم يكن هناك أي تجمد فكري — أي في مرحلة ما قبل السلفنة المقدسية. فيبدو التاريخ يعيد نفسه، ولو كان هذا هو الحال الجديد فمن الممكن أن نقول القاعدة تتراجع تدريجياً عن سلفيتها، وفي هذا السيناريو قد يفقد المقدسي والشيوخ الأخريين ما تبقى من نفوذهم وقدرة تأثيرهم في التنظيم.

شارك!