سيف العدل ينادي، ولكن هل من يستمع لَهُ؟

ربما من استحقاقات طوفان الأقصى تفاعل الأمّة مع إصدارات كتائب القسام بشكل غير مسبوق في تاريخ الحركات الإسلامية المعاصرة. فأصبح أبو عبيدة “الملثّم” رمزاً ملهماً يذكّر الأمّة بمحوريّة قضية الأقصى. ولعلّ هذا التفاعل الإيجابي فيه دلالة على حال الحركات الإسلامية الأخرى اليوم، ومن يرفعون راية جهاد الصالونات لتحرير الأقصى. فقد تعوّد المسلمون على من يتاجر بهذه القضية المقدّسة من القوميين وصولاً لتنظيميّ القاعدة والدولة الإسلاميّة. وربمالهذا السبب يتفاعل العالم مع القسّام؛ لأنهم بالفعل يحاربون العدو الصهيوني في عقر دولته المزعومة. فلم يظهر علينا أبو عبيدة ليقول… كما يكرّر سيف العدل وقيادات القاعدة في كتابتهم… أنّ سبيل تحرير القدس فتح ساحة للصراع في كل دول العالم دون إسرائيل. لم يتفلسف أبو عبيدة وهو على بعد أمتار من الدبابات الإسرائيلية بقوله الأولوية هدم الأنظمة الطاغوتية في الشرق الأوسط وتمْبَكْتُو والهند والسند. وفي الوقت ذاته، لم يحرّض المسلمين لفتح ساحة حرب مع الغرب والشرق أجمعين. … وطبعاً نظام الأسد والملالي معفيّان من سَيْف محمد زيدان.

فلم يراجع تنظيم القاعدة (وسيف العدل) نفسه والحاجة الماسّة لإعادة دراسة الموقف والواقع الجيوسياسي الراهن. التنظيم يتعامل مع العالم كما يتصوّره في وضعه ما قبل عمليات الحادي عشر من سبتمبر. عالم القطب الأوحد الذي يحرّك فيه الغرب كلّ شيء، كأنّ قوة ونفوذ الشيطان الأكبر وشياطينه الصغار لم تتراجع خلال العقود الماضية. تراجع الغرب عن التدخل في منطقتنا مجدداً أتى بعد هزيمته النكراء في أفغانستان على يد الإمارة الإسلامية، وذلك بسبب شح الموارد وهوس التنافس مع الصين ومحاربة روسيا. فالغرب لم يعد المحرّك الرئيسي في الشرق الأوسط أو حتى العالم. والحكام العرب… حتّى بعد فشل ثورات الربيع العربي … ليسوا قادرين على الاستمرار في الدفاع عن سياسة التطبيع على أشكاله العلنية والباطنية.

ولكن يدرك الآن من يقف مع قضية القدس أنّ صناعة النصر تتطلب استخدام القوة الخشنة ضد العدو الصائل المحتل للقدس والقوة الناعمة بتحريك ليس فقط الشعوب المسلمة، ولكن شعوب العالم لإثارة الرأي العام ضد الكيان وسحب الدعم له من خلال ذلك الحراك. ففي ظل هذه المعادلة عندما يأتي سيف العدل، ويدعو “شباب الثانوية” للقيام بعمليات طعن عشوائية، ليس الأمر فقط مثيراً للسخرية، ولكن من شبه المستحيل أن يتفاعل معه شباب هذا الجيل الذي أدرك الآن أنّ المعركة الحقيقية على أرض فلسطين.

واللافت للانتباه أن سيف العدل من كتب معظم إصدارات السحاب منذ انطلاق طوفان الأقصى في محاولة منه لركوب موجة نصر الأبطال الحقيقين. فيكتب سيف مستخدماً كنية كان في يوم من الأيام اعتمدها وهي “سالم الشريف”… وهو من الجهاديين القدامى… وذلك في محاولة التستر وراءها بعدما اتضح له أنّ قرار البقاء في إيران تسبّب بأزمة القيادة الحالية وأحدث شرخاً في التنظيم بسبب رفض بعض القيادات مبايعته.

في هذه الإصدارات، يحاول الرجل طرح تقريباً كافة المقترحات الممكنة في تنفيذ عمليات عشوائية في كل مكان ما عدا إسرائيل، كأنّ طعن شاب لرجل أو امرأة أجنبية في الشارع سيقلب موازين القوة. أو مثلاً أنّ الدرس المستفاد من عمليات كول والسفارات والحادي عشر من سبتمبر تراجع الغرب عن دعم الكيان. والواقع المرير هو أنّ الكيان استفاد من هذه الاستراتيجية (أي استراتيجية مهاجمة كافة دول العالم دون إسرائيل)، فجاء للغرب ليطلب تزويد المساعدات، ويتباهى أنه “خط الدفاع الأوّل”… ومن لا يصدق هذا التحليل يوجب عليه شرح لماذا إذاً الكيان ومتحدث جيشه المعتوه مُصرّون وبشكل مستميت على قولهم “دَواعِشُ حماس”؟ لأنّهم يعلمون أنّ لصق هذه التهمة بالمقاومة أسرع طريقة لضمان دعم ليس الغرب فحسب، بل حتى تحييد روسيا والصين.

ولكن مجدداً لا يبالي التنظيم بأيٍّ من هذه المتغيرات، بل يعود مجدداً لاستراتيجية العشوائية للعب دور “الفزاعة المفيدة” وفرعه في اليمن يظهر علينا مجددا بإنسباير لدعم جهود سيف العدل بإقناع “شباب الثانوية” بتنفيذ عمليات بدائية لا تقدّم، بل أحياناً تؤخّر من دون فائدة.

 رصدنا أيضاً مقالة على الإنترنت، كتبها متابعٌ يبدو متأثراً بإصدارات السحاب، يكتب فيها عن خطة عبقرية فتّاكة لهدم النظام العالمي عن طريق تأجير شقق وفتح “البوتجاز” لكي تنفجر الشقة والبناية بأكملها! جهاد “الغاز” هذا وسيناريو الشقة يذكّرنا بمشهد في فيلم أجبني قديم “فيت كلوب” يصوّر بشكل درامي كيف انفجرت شقة البطل بسبب عطل في “البوتجاز”. ولكن في هذا السيناريو، يذهب الشاب ليؤجّر شقة باسمه، ويدفع الإيجار والتأمين، وينفّذ هذه “العملية النوعية المنزلية” بعد تبليغه السكان والمطافئ عن نيته قبلها بثلاثين دقيقة، ومن ثمّ يفرّ. ولكن في الأغلب النتيجة الأكيدة من هذا العمل “البوتجازي” ستكون أسرع تحقيق في تاريخ الشرطة؛ لأنّهم سيصلون بكل سهولة إلى اسم الشاب وجميع بياناته!

نهج التنظيم في الواقع أشبه بنهج السادات عندما رفض توصيات الفريق سعد الدين الشاذلي مبرراً موقفه بالامتناع عن محاربة إسرائيل بالقول “إنت عايزني أحارب أمريكا؟”، فيأتي علينا سيف العدل، ويبرّر موقفه في طرحه هُوَ للجهاد العالمي الذي يبدأ بمحاربة الأقوى من إسرائيل وعدم تحييد أي طرف الذي في الواقع أشبه به “إنت عايزني أحارب إسرائيل؟”.

ولكن أمام سيف العدل خيارين لا ثالث لهم. المسار المغري والصراحة المنطقي هو التعاون مع إيران على نحو مباشر لتنفيذ ولو عملية واحدة ليثبت لنفسه ولتنظيمه أنه بالفعل مفكر استراتيجي مخضرم. ولكن ثمن هذا المسار باهظ، فسيفقد بذلك ما تبقى من شرعيته وتنظيمه. المسار الثاني، والأصعب، هو التركيز في تنظيمه المتهالك والتفوق من الغيبوبة التي وقع فيها بعد استشهاد الشيخ أيمن وإثبات الاستقلالية في القرار ليرفع الشبهات المتزايدة عن تعاونه مع سجانيه، وأنه أصبح بمثابة “شخليلة” في يد الملالي.

فلا يستعجب سيف العدل من عجز التنظيم وعدم التفاعل مع إصداراته، كما يتفاعل الشباب مع أبي عبيدة، لأن الأحداث الراهنة أثبتت أنّ سيف العدل وتنظيمه عاجزان عن أي عمل…. مجرد فزاعة على الورق تلعب بها طهران.

لنطرح السؤال مجدداً – وربما القارئ قادر على الإجابة هذه المرّة – هل من يَسْتَمِعُ لسيف العدل… أو حتى لـ”سالم الشريف”؟

شارك!